مقال العدالة الاجتماعية ما بين المساواة و التفاوت (اثبات التفاوت)

هل تكمن العدالة الاجتماعية في المساواة أم في التفاوت؟
طرح المشكلة

كان الانسان قديما يعيش حياة بدائية مليئة بالفوضى و الاضطراب لنه مع مرور الزمن انتقل الى تأسيس حياة مدنية تقوم على قوانين وضعية ،الهدف منها فرض الامن و الاستقرار و العدل ويعتبر العدل من احدى الفضائل الكبرى ،و مطلب انساني عبر التاريخ و لم ينعقد اجتماع على تصور محدد و مضبوط للعدل، و اذا كان اكثرهم يعتبره بمثابة اعطاء كل ذي حق حقه فانهم مختلفون في ترجمة هذا المفهوم و من الشائع أنه يكمن تحقيق المساواة بين الجميع ،في حين هناك رأي مخالف لهذا يعتبره في اقرار التفاوت ،و عليه كيف يمكننا تأييد الطرح القائل بأن العدل في التفاوت؟

عرض منطق الاطروحة:
ان الناس متفاوتون بالطبيعة و ما عليهم سوى احترام هذا القانون الطبيعي و انطلقوا من مسلمة مفادها رفض الرأي القائل بأن العدالة مرادفة للمساواة مع ضرورة التسليم بأن التفاوت هو المبدأ الانسب الذي يتم من خلاله ارساء قواعد العدل ،و لقد استدلوا على ذلك بحجج عديدة منها أن الافراد من حيث الطبيعة مختلفون سواء في قدراتهم وملكاتهم العقلية أو في قواهم و بنياتهم المرفولوجية، فهل من العدل اذن ان نساوي بين الذكي و الغبي؟ أو القوي و الضعيف؟ لأن ذلك يعتبر ظلما لا محالة، ولقد ساندت هذه الوجهة من النظر العديد من الفلسفات عبر التاريخ منها الفلسفة اليونانية و بالأخص أفلاطون حيث أكد في كتابه الجمهورية أن الناس يولدون معادن مختلفة و على هذا الاساس يجب ان تحافظ الدولة على هذه الفوارق و المسافات بين الناس حتى يتحقق العدل، كما أن ثبات المجتمع و استقراره مرهون ببقاء الطبقات الاجتماعية على حالها أما تداخلها فيضيع الأمن و الاستقرار، و تتمثل هذه الطبقات في:
الطبقة الذهبية يمثلها الحكام وهم الفلاسفة تمثل القوى العاقلة في النفس.
الطبقة الفضية يمثلها الجنود، وتمثل القوى الغاضبة في النفس
الطبقة النحاسية يمثلها العبيد، تمثل القوى الشهوانية فبعض الناس يولدون عبيدا بالطبيعة 
و عليه يجب وضع كل فرد في مكانه الطبيعي. ولكي تتحقق العدالة يجب على كل فرد ان يؤدي وظائفه بكل سعادة وان يكون عمله متقنا يقول في هذا "ان العدالة انما هي أن يمتلك المرء ما ينتمي فعلا اليه و يؤدي الوظيفة الخاصة به" و تأكيدا لمبدأ التفاوت قسم أفلاطون أيضا الشعوب بحسب تقسيمه لقوى النفس ، فاليونانيون يمتازون بسيطرة القوة العاقلة و يمتاز الشماليون بسيطرة القوة الغاضبة أما الفينيقيون و المصريون فتسود عندهم القوة الشهوانية.و لقد اعترف ارسطو بدوره بمبدأ التفاوت كمبدأ للعدالة فعلى كل فرد أن يوضع في المكان الملائم له ،كما ذهب إلى القول بأن استرقاق الناس لبعضهم ضرورة طبيعية قال في هذا السياق "التفاوت قانون الطبيعة "  فلو وضعنا الذكي في منصبه يدير شؤون البلاد ووفرنا للضعيف شؤون الحياة فهكذا نكون قد عدلنا. فالتفاوت طبيعي و يعود الى الاختلافات بين الافراد في طبيعتهم البيولوجية و
 العقلية و المزاجية لذلك لابد من العمل بما قاله الفزيولوجي  الفرنسي "ألكسيس كاريل" " فبدلا من أن نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة الجسمية و العقلية يجب أن نوسع دائرة الاختلافات و ننشئ رجال عظماء "لذلك فالتفاوت الطبيعي بين الافراد ينبغي أن يتأسس عليه التفاوت الاجتماعي .و منه فالتفاوت الاجتماعي حسب هيغل ليس فقط على مستوى البشر و انما الامر ينطبق على الامم و الامة القوية تفرض نفسها على الضعيفة ولقد كان للتصور الهيغلي صدى كبير على الحركات الاستبدادية الدكتاتورية في العالم من أبرزها الحركة النازية التي اسسها هتلر حيث كانت تنظر الى الشعب الالماني أنه أرقى الاجناس ،ولهذا فلقد كإنو ينظرون الى الفئات المعاقة أو المشوهة أنها تحط من قيمة هذا الجنس ،وبناءا على هذا الاعتبار يجب التخلص منهم.
كما نجد بعض الديانات تعلل القول بمبدأ التفاوت و تنظر اليه كأساس للعدالة الاجتماعية و مثال ذلك الديانة اليهودية ،فلقد زعم اليهود أنهم الشعب المختار وهم وحدهم أبناء الله و احباؤه، كما تدعو الديانة البراهماتية إلى ضرورة احترام هذا المبدأ، حيث تقسم المجتمع الهندي الى طبق
متباينة و متمايزة عن بعضها البعض و تتمثل في: الطبقة البيضاء: وهي طبقة البراهماتيون و هم الكهنة و رجال الدين و العلماء الطبقة الحمراء: هم الحكام و الاداريون و الجنود الطبقة الصفراء: هم الفلاحون و المزارعون و التجار الطبقة السوداء: و تشمل العمال المهرة كالخزفيين و النساجين و صانعي السلاسل و الخدم، طبقة الانجاس و المنبوذين: يعاملهم البراهماتيون بقسوة و يتجنبون لمسهم ،وعلى الرغم من إلغاء هذه الطبقة قانونيا سنة 1950 و اطلق اسم اطفال الله عليهم إلا أنها مازالت موجودة في الواقع الهندي. 

تدعيم الاطروحة بحجج شخصية:
في إطار الفلسفة الحديثة نجد الفيلسوف الاماني فريديريك نيتشه اعتبر  التفاوت امر مشروع بين الناس لذا توجد طبقتين الاسياد و العبيد فطبقة السادة تتمتع بحق الملكية و الحكم و الحرية، أما طبقة العبيد يطلق عليهم اسم القطيع فان عليهم واجب الطاعة و الاستسلام لأوامر السادة و عليهم بخدمة مصالح الاقوياء لذلك من غير الممكن ان نساوي بين الطبقتين و الا حدث اختلال في توازن المجتمع.

كما كان للفلسفة الرأسمالية موقف واضح  من العدالة الاجتماعية حيث أقامت دعائمها على التفاوت المطلق على اعتبار ان الافراد متفاوتون في القدرات و المواهب و الامتيازات و هذا ما يبرر التفاوت بينهم في الحقوق و لهذا ينقسم المجتمع الى طبقتين :طبقة مالكة لوسائل الانتاج و اخرى عاملة كادحة، ولقد دافع على هذا الطرح آدم سميث في كتابه" بحوث في طبيعة و اسباب رفاهية الامم" و بعده عدد من المفكرين الفرنسيين في القرن التاسع عشر أمثال "ساي" و "دو نوايي" و باستيا" حيث أكدوا أنه لتحقيق روح العدالة الاجتماعية لابد من التنافس الحر و لضمان المصلحة الخاصة لاسيما لأرباب العمل لابد من عدم تدخل الدولة في مختلف مجالات الحياة لاسيما الاقتصادية و السياسية.


طرح ونقد خصوم الاطروحة
  ان العدالة لن تتأسس الا في ظل المساواة المطلقة و هذا ما أكده فلاسفة القانون الطبيعي فمدام الناس متساوون في الطبيعة يستلزم بذلك أن نسوي بينهم تحقيقا للعدل و أي شكل من أشكال التفاوت أو التمييز أو التفضيل معناه الظلم هذا ما اشار اليه الخطيب الروماني قديما شيشرون" الناس سواسية وليس هناك شيء أشبه بشيء من  للإنسان بالإنسان لنا جميعا عقل و لنا حواس و ان اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلم" و بناءا على هذا الاعتبار فليس لأحد حق السيادة على غيره بسبب المال أو السلطة أو اعتبار آخر لأن كل الناس متساوون و ما على العدالة إلا أن تحترم ذلك. و ينسجم هذا الطرح مع فلاسفة العقد الاجتماعي فالأفراد تعاقدوا للخروج من حياة الفطرة الى الحياة الاجتماعية و بالتالي فهم يتمتعون بالمساواة المطلقة و بها تتحقق العدالة فالجميع متساوون أمام الحقوق و الواجبات قال توماس هوبز" ساوت الطبيعة بين الناس في قواهم الجسمية و العقلية و قد نرى بعض الناس أقوى من بعض و بعضهم اذكى من بعض و لكن إذا نظرنا نظرة عامة لا نجد هناك فرق يخول الانسان حق ليس للأخر..."و هذا ما أكده جون لوك بقوله" يجب أن تكون هناك قاعدة واحدة تطبق على الجميع فلا فرق بين غني وفقير و فلاح و أمير"
ولكن المساواة المطلقة هي اجحاف في حق الافراد، لان القدرة على رد الواجب ليست واحدة عند جميع الافراد الذين يعطون نفس الحقوق فالطبيعة البشرية اذن تقر بالتفاوت أما المساواة في النظام الاشتراكي فهي تولد روح الكسل والاتكال وهذا الظلم بعينه. وهذا النوع من المساواة غير عملي فهل من العدل أن نسوي بين المجتهد والكسول؟ والمساواة التي تدعو له الفلسفة الاشتراكية تتعارض مع الطبيعة البشرية لأن الانسان بالفطرة يسعى الى الملكية الفردية فهو اناني بطبعه والتأسيس للملكية الجماعية يتنافى مع ذلك.


حل المشكلة
وفي الاخير نستنتج أن الاطروحة القائلة بأن العدل في التفاوت اطروحة صحيحة وجب الاخذ بها والدفاع عنها وتبنيها لأن التفاوت بين البشر هو اقرار بالعدل بحكم أنهم مختلفون في بنياتهم البيولوجية والعقلية والنفسية





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الفرضية خطوة مهمة في المنهج التجريبي؟

هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية؟ملخص عاى شكل عناصر للحفظ و التوسع الذاتي بعد الفهم من القناة

هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث لا طائل منه ؟