هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث لا طائل منه ؟


 طرح المشكلة :
 الفلسفة كلمة يونانية مركبة من فيلو وتعني المحبة و سوفي تعني الحكمة وبالتالي فان كلمة الفلسفة تعني محبة الحكمة فالفلسفة نمط متميز من التفكير ، قدمت تفسيرا عاما للوجود وفهما شاملا لعلاقة الانسان بالطبيعة ، فتحولت مع مرور الزمن الى اداة لفتح مجالات جديدة امام الفكر ، مما ادى الى ظهور علوم جديدة ، لكن ليس مهما معرفة التطور الكرونولوجي - الزمني للفلسفة ، انما الأهم من ذلك هو تحديد قيمتها واهميتها بعد انفصال العلوم عنها واستقلالها مشكلة علوما قائمة بذاتها خاصة وان بعض الدارسين من انصار النزعة العلمية اكدوا دور الفلسفة قد انتهى وحل محلها العلم ، مادامت المواضيع التي كانت تعالجها تجزأت واصبحت علوما قائمة بذاتها اذ لا جدوى من بقائها بعد ان اصبحت بلا موضوع ، في حين اكد آخرون ضرورية الفلسفة وان العلم لا يمكن ان يحل محلها ، ومن هنا نتساءل : هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث لا 
طائل منه ؟ بل هل يوجد ما يبرر وجود الفلسفة بعد ان استحوذت العلوم الحديثة على مواضيعها ؟
 محاولة حل المشكلة
 الموقف الاول :
يرى بعض الفلاسفة والمفكرين أن الفلسفة كتفكير انساني ضروري ولا يمكن الاستغناء عنها ومن بين المناصرين لهذا الموقف أرسطو ،ديكارت .كارل ليسبرس ، برتراند راسل وحجتهم في ذلك ان الفلسفة خطاب راقي ابدعه الفكر البشري توجه الفكر وترثيه وتجعله اكثر شمولية واتساعا تعالج قضايا الانسان من الجوانب التي يعجز العلم الوصول اليها كالجانب الروحي والميتافيزيقي والاخلاقي فهي تكسبنا الدقة في التفكير والتأمل العميق وتحرر عقولنا من الأخطاء والأحكام المسبقة فهي تظهر في شكل تساؤل مستمر على الطبيعة وما ورائها لذا تعرف بانها أم العلوم لاحتوائها على مختلف العلوم والمعارف وقد اعتبرها الفيلسوف الفرنسي ديكارت انها مقياس التقدم والتحضر حيث قال "ان الفلسفة وحدها هي التي تميزنا عن الاقوام الهمجيين والمتوحشين " وبدوره اكد كارل ليسبيرس ان الفلسفة تدفع بالإنسان الى التفكير في قضايا تتعدى المجال الحسي وترتبط بالمجال المعنوي الروحي والأسئلة فيها تعد اهم من الاجوبة حيث يقول " ان الأسئلة في الفلسفة اهم من الأجوبة وكل سؤال يجد جوابه في العلم يخرج من نطاق الفلسفة " واما برتراند راسل فيعتقد ان الفلسفة ساهمت في حل مشاكل الانسان وانارت طريق العلم و وجهته فيما يخدم الانسان وقال في ذلك " ان بفضل الفلسفة صححت اخطاء العلم فهي تقودنا الى التواضع العقلي والبحث في الانسان ومشاكله " واكد كذلك برتراند راسل أن العلم لا يشكل اي تهديد للفلسفة لأنها نمط متميز من التفكير واجابت عن الاسئلة التي عجز العلم عن فهمها وفي ذلك يقول " هناك قضايا خطيرة في الحياة ، لا يستطيع العلم ان يعالجها أو ان يقول فيها كلمته ،لان الرأي العلمي ليس هو الرأي المناسب لتلك القضايا " والفلسفة لها قيمة رغم وجود العلم لانه تعد منطلقاللرقي الحضاري وهذا ما أشار اليه المفكر الفرنسي رونيه ديكارت بقوله " حضارة كل أمة انما تقاس بقدرة ناسها
على التفلسف أحسن" ومن هنا تتجلى قيمة الفلسفة ودورها في يقظة الفكر * النقد : لا أحد ينكر ما ذهب اليه هذا الموقف ولكن في الحقيقة فيه مبالغة ومجانبة للصواب لان انصار هذا الموقف قد بالغوا في مدح الفلسفة العامة الميتافيزيقية لان هذه الأخير ةقد بينت فشلها وعقمها في الوصول الى الحقائق ونتائج حيث أن الأسئلة التي تتجاوز الطبيعة والواقع المحسوس هي التي تعد بمثابة الخلل ونقص فيها يجعلها موقع نقد وهجوم فحاجة الانسان للفلسفة مرتبطة بمدى معالجتها لمشاكله وهمومه اليومية ولكن مادامت لم تحقق حاجته ، فانه اصبح يقبل البديل المتمثل في العلم وهذا ما يعني انه للقضية تفسير آخر




الموقف الثاني :
وعلى النقيض من ذلك يرى موقف نقيض وهظ انصار النزعة العلمية انه يمكن الاستغناء عن الفلسفة لاننا في عصر العلم الذي استطاع ان يحقق للانسان ماعجزت عنه الفلسفة ومن بين المناصرين لهذا الموقف نجد اوغاست كونت وكارل ماركس و غوبلو و فريدريك وايزمن ، وليام جيمس ،وان تيمية وحجتهم في ذلك أن الفلسفة ترف فكري وابحاث عقيمة تجاوزها الزمن ولايمكن الاستفادة منها عمليا فبقيت مجرد تساؤلات غالبا ما تكون متناقضة ومثيرة للشكوك والصراعات الفكرية ومن هنا يؤكد اوغاست كونت ان الانسانية عرفت ثلاث حالات الحالة اللا هوتية والحالة الميتافيزيقية الفلسفية والحالة الوضعية العلمية ، فالحالة النفسية انتهت وحلت محلها الحالة العلمية التي عرفت تطورا ملحوظا للتفكير العلمي الذي جعل حياة الانسان مريحة ومترفة كوسائل النقل والاتصال وغيرها... وعرفت تراجعا للتفكير الفلسفي وفي هذا يقول اوغاست كونت " الفلسفة هي مرحلة من التفكير تجاوزه الزمن " وقال غوبلو " المعرفة التي ليست معرفة علمية ليست معرفة بل جهل " ، كما ان العلم استطاع ان يقود الانسان الى الحقيقة المطلقة والاجابة عن كل الاسئلة كما استطاع ان يغير حياته المادية ، فالعلوم المختلفة تصل الى معارف يقينية متفق عليها العلماء ، في حين ان الفلسفة ورغم الجهود المبذولة منذ قرون لم تصل بعد الى معارف يقينية وتفرض نفسها على الجميع اما الماركسية فترى على لسان زعيمها كارل ماركس ان عصرنا هو عصر العلم والاكتشافات وتحرر الانسان من قيود الطبيعة وقيود الرأسمالية ، فالتقدم الحضاري مصدره العلم لا الفلسفة والانسان بقدر ما يتحضر بواسطة العلم بقدر ما يكسب حريته ولهذا قال زميله أنجلز " كل تقدم للحضارة هو خطوة نحو الحرية " وكما يقول فريديرليك وايزمن " الفلسفة كانت قائمة عند الانسان عندما كان يعاني من الحيرة وعدم الاستقرار ، ولكن مع ظهور العلم التجريبي تجاوز ذلك ومن هنا الحاجة لبقائها " وعليه فالفلسفة في نظر هؤلاء تفكير عقيم لانها لا تصل الى حلول نهائية مقنعة على خلاف العلم الذي استطاع أن يلبي حاجة الانسان في المعرفة بدليل تنوع القوانين والنظريات العلمية 
 النقد :
 نحن لا ننكر أن هذه الحجج منطقية ولكن في الحقيقة نلمس لهذا الموقف عدة نقائص ، فالا شك ان العلم غير حياة الانسان نحو الأفضل وقوانينه صادقة ومضبوطة ،الا أن العلم لا يستطيع ان يقول كلمته فيها وانصار العلم بالغوا في رفضهم للفلسفة لان اهميتها لا تكمن في النتائج التي تصل اليها وانما الخصائص التي تتميز بها *
التركيب : انطلاقا من الموقفين السابقين يمكن تأكيد ان تقدم العلم لا يعد تحطيما مطلقا للوجود الفلسفي ، كما انه لا يعد دعما لها كما هي بل يعد موجها لمواضيعها لان التطور ارغم الفلسفة على التخلي عن التصورات الميتافيزيقية وفي الوقت ذاته فتح لها مجالات جديدة للبحث ، وهو ما تجلى من خلال ظهور مذاهب فلسفية تتعامل مع الوجود والانسان في شكله الواقعي ، تعامل ينزل الفلسفة من عالمها الى الواقع وهذه المذاهب هي البراغماتية ،الوجودية والظواهرية . ** وازي ارى من وجهة نظري في هذه المسألة ان الفلسفة تستحق منحها لقب ام العلوم لانها بوابة المعرفة وساهمت في تقدم مختلف العلوم وفي هذا قال ديكارت "الفلسفة شجرة جذورها الميتافيزيقا وجذعها الفيزياء واعضائها الميكانيك والطب والاخلاق "
حل المشكلة :
 وصفوة القول في النهاية نستنتج ان فضول الانسان وتعطشه للبحث عن الحقيقة المطلقة يدفعانه الى ممارسة التفكير العلمي احيانا والفلسفي حيانا اخرى فما يعجز عنه العلم تجيب عنه الفلسفة والعكس صحيح لذا يقال " تبدأ الفلسفة من حيث ينتهي العلم " فمهما كان اهتمام الانسان بالعلم فانه لا يستغني عن الفلسفة ، لان النظر في العلم يعتبر في حد ذاته فلسفة وهوما أكده ايضا فريدريك هيجل بقوله " ان العلوم كانت الارضية التي قامت عليها الفلسفة تجددت عبر العصور " ،وبالتالي فالعلاقة بين العلم والفلسفة هي علاقة تكامل وتعاون لا علاقة تعارض وتناقض

تعليقات

  1. بارك الله فيك وجزاك الله خيرا أستاذة

    ردحذف
  2. merci beaucoup

    ردحذف
  3. اين مقالة سؤال العلمي والسؤال الفلسفي او مشكلة العلمية والاشكالية الفلسفية

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الفرضية خطوة مهمة في المنهج التجريبي؟

هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية؟ملخص عاى شكل عناصر للحفظ و التوسع الذاتي بعد الفهم من القناة