هل الفرضية خطوة مهمة في المنهج التجريبي؟


هل الفرضية خطوة مهمة في المنهج التجريبي؟

طرح المشكلة : ان الحديث عن الفرضية هو حديث عن خطوات المنهج التجريبي لانها ارتبطت في الوجود بوجود النسق الاستقرائي كونها خطوة يتم فيها اقتراح حلول مؤقتة للظاهرة ، او هي نقل للحادثة الطبيعية من المجال الواقعي الى المجال العقلي ،لكن حتى وان بدا نوع من التقارب بين الدارسين حول ضبط مفهومها الى ان اختلافهم قد سجل حول مكانتها كخطوة من خطوات المنهج التجريبي ، خاصة وأن البعض منهم قد اكدوا انها المرحلة الأهم ، انطلاقا من ايمانهم بان الملاحظة وتجربة لا تكفيان لبناء العلم ،في حين أكد البعض الآخر أنها تغرق الدارس في متاهات الخيال ومن ذلك فانه من الضروري التخلي عن اعتمادها ، لذا من هنا نتساءل : هل من الصواب بين الطرحين؟ وهل يمكن ان يكون للفرضية دخل في البحث التجريبي ام انها تعد عائقا يحول دون تحقيق الموضوعية العلمية ؟ /

 محاولة حل المشكلة : الموقف الاول : يرى البعض من الفلاسفة والمفكرين انصار النزعة العقلية أن الفرضية لها دخل في البحث التجريبي ، ومن بين هؤلاء نجد الفرنسي " كلود برنارد" ،والفرنسي "هنري بوانكاري " ولقد اكدوا ان الفرضية مرحلة ضرورية في الدراسات التجريبية ، انطلاقا من أن كل بناء علمي يقتضي حضور العقل ، وانه لايمكن التخلي عن الفرضية كون الملاحظة والتجربة لا تكفيان لتأسيس العلم الحقيقي ، وقد برروا موقفهم بالاعتماد على مجموعة من الحجج والبراهين حيث اكد كلود برنارد قيمة الفرضية في البحث التجريبي ،فقد اشار انه من غير المعقول بناء علم دون اعتماد العقل وهو ما تجلى من خلال قوله " الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع " اي ينبغي بالضرورة ان نقوم بالتجريب انطلاقا من الفكرة المتكونة من قبل ، كما اكد هنري بوانكاري انه لايمكن تأسيس اي مشروع علمي دون توظيف العقل وفي ذلك يقول " ان تجريب دون فكرة سابقة غير ممكن ،انه سيجعل كل تجربة عقيمة ذلك لان الملاحظة الخالصة وتجربة الساذجة لاتكفيان لبناء العلم " ويقول بوانكاري " كما ان كومة الحجارة ليست بيتا فكذلك تجميع الحوادث ليس علما " و الواقع يؤكد ان المنهج التجريبي بوصفه منهجا عاميا يقوم كله على التحقق التجريبي لفرض علمي ، وخير دليل على ذلك نجد " فرانسوا هوبر " كان اعمى ومع ذلك ترك تجارب كان يطبقها خادمه الأمي كما ربط باستور بين ظاهرة التعفن والجراثيم بالرغم من عدم رؤيته لها ، اذن نستنتج ان الفرضية فكرة ضرورية وخطوة لازمة ومشروعة في المنهج التجريبي لا يمكن الاستغناء عنها

 . النقد : لا أحد ينكر منطقية ماذهب اليه هذا الموقف ولكن في الحقيقة فيه مبالغة ومجانبة للصواب لان الفرضية قفزة في المجهول ، فاعتماد الباحث على عقله وخياله في تصور الحل الملائم للظاهرة قد يبعده عن الحقيقة ويوقعه في الخيال ، وهذا مايشكل عائقا في وجه الباحث ، كما أن الفرضية لا تعبر عن الصدق دائما بل يجب اخضاعها لشروط البحث الموضوعية .
 // الموقف الثاني :يرى البعض من المفكرين والفلاسفة التجريبيون خلافا على ماذهب اليه رواد المدرسة العقلية ان الفرضية لا دخل لها في البحث التجريبي ومن بين هؤلاء نجد "جون ستيوارت مل " و ماجندي و غوبلو ويرى هؤلاء ان تفسير الظواهر الطبيعية والكشف عن اسبابها يتوقف على التجربة والملاحظة لا على العقل، كون العقل يغرق الدارس في متاهات الخيال ،واكدوا انه ينبغي التخلي عن الفرضية كون العلم يبحث عن تعامل الواقعي مع الظواهر وليس التصور الخيالي ،وقد برروا موقفهم بالاعتماد على مجموعة من الحجج والبراهين حيث اكد جون ستيوارت مل ان القانون العلمي مجرد كشف تكون تجربة كافية لتحقيقه ، لانه مادامت الطبيعة تخضع لنظام الإطراد ، وكانت الظواهر في تتابعها تترجم قوانين الطبيعة فان التوصل الى القوانين هو مجرد قراءة بارعة للطبيعة والملاحظة الحسية وحدها تكشف عن التتابع ، لذا يقول ". انا لا أتخيل فروضا " كما يقول أيضا " ان الفرضية قفزة في المجهول ،وطريق نحو التخمين ولهذا يجب علينا ان نتجاوز هذا العائق وننتقل مباشرة من الملاحظة الى التجربة " وقظ وضع من ذلك قواعد سماها بقواعد الاستقراء والمتمثلة في قاعدة التلازم في الحضور ، قاعدة تلازم في الغياب وتلازم في التغير وقاعدة البواقي ، وهذه القواعد بحسبه تغني البحث العلمي عن الفروض العلمية ، ومن الفرضية حسب النزعة تجريبية تبعد المسار العلمي عن منهجه الدقيق لاعتمادها على الخيال والتخمين المعرض للشك في النتائج ، كما يعبر ماجندي عن رفضه لاعتماد الفرضية في مقولته لتلميذه كلود برنارد "اترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر " كما يقول نيوتن في رفضه للفرضية " انني ابرهن لا أفترض " فالقوانين الموجودة في الطبيعة ونكشف عنها بالاتصال الحسي ، لذا فان تفسير الظواهر الطبيعية يقوم على تجربة دون اعتماد الفرضية ، ومنه نستنتج ان الفرضية هي فكرة نخاطر بها في البحث التجريبي ويجب الاستغناء عنها *النقد : نحن لا ننكر ان هذه الحجج منطقية ولكن في الحقيقة نلمس لهذا الموقف عدة نقائص نذكر منها أن العلم يهدف للكشف عن العلاقات السببية العلية ، وهو مالا يمكن ان يكون بالمشاهدة والتجربة ، بل باعتماد العقل ، كما ان تفسير الظواهر الطبيعية يخترع ولايكتشف عكس ما يعتقد جون ستيوارت مل انه يخترع ويقتضي توظيف قدرات الذهنية وهذا مايعني انه للقضية تفسير آخر ، فدور الفرضبة يكمن في تخيل ما لا يظهر

 **التركيب : انطلاقا من الموقفين السابقين يتضح لنا وجود تكامل بين خطوات المنهج التجريبي منها ماهو حسي ومنها ماهو عقلي وهذا مايبينه كلود برنارد بقوله " ان الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود الى التجربة وتوجهها والتجربة بدورها تحكم على الفكرة " واكد على ذلك غاستون باشلار حيث بين التكامل بين الفرضية والتجربة فالفرضية الفاسلة تساهم في انشاء الفرضية الناجحة عن طريق توجيه الفكر ، واني ارى من وجهة نظري الشخصية في هذه المسألة لنه يمكن تأكيد انه لا يمكن الغاء الفرضيةتماما ، كما لايمكن اعتمادها كما هي بل ينبغي ان تكون مطابقة للواقع وممتلكة لقابلية التحقق حتى تخدم العلم وهذا يتماشى مع طرح اسحاق نيوتن لانه حدد شروط الفرض الناجح *

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث لا طائل منه ؟

هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية؟ملخص عاى شكل عناصر للحفظ و التوسع الذاتي بعد الفهم من القناة