كيف تتحصل على 20 في الأخلاق


هل يمكن القول بأن الأخلاق ثابتة مطلقة؟
طرح المشكلة.
تعتبر الأخلاق من أكثر المواضيع اهتماما وأكثرها حضا من الدراسات لما تحمله من قدسية تسير وتتحكم في السلوك البشري وقد اختلف الفلاسفة حولها فالبعض يراها مطلقة وغير قابلة للتغير حسب المجتمعات أو متطلبات العصر والبعض الاخر يعتقد بالنقيض لذلك فهل يكفي هذا الطرح لفهم القيم الأخلاقية؟ وهل يمكن القول بأن القول بأن الأخلاق ثابتة في جوهرها متغيرة في معاملتها؟
محاولة حل المشكلة
الموقف الأول:
يرى أنصار مطلقيه الأخلاق أمثال النظرية العقلية و الدينية أمثال الأشاعرة الذين يعتمدون الدين الإسلامي و كتاب الله القران والسنة النبوية مصدرا ثابتا مطلق غير قابل للنقاش فما أمر به نأتمر به و ما نهي عنه ننتهي عنه لأن الدين الزام الهي يحدد القواعد الأخلاقية و نحكم بها على صفة الفعل ان كان خيرا أو شرا على رأي ابن حزم الأندلسي "فالخير ما أمر به الشرع و الشر ما نهي عنه"  و كذلك قال "يرتد الى الإرادة الإلهية"" أي أن الأخلاق من صنع الخالق و قد أنزل الرسل و الأنبياء والكتب السماوية لتعلمنا إياها فالعقل لا يملك القدرة على التمييز بين الخير و الشر لوحده لأنه ناقص فأبو حسن الأشعري " الخير و الشر من قضاء الله و قدره"
والامام الجويني (امام الحرمين) "المعني بالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله والمراد بالقبح ما ورد الشرع بذم فاعله".
أما المعتزلة فيعتقدون أن الدين مصدرا للأخلاق و لكنه جاء مخبرا بما قرره العقل من قبل و يستشهدون بأحاديث كالتالي قال الرسول صلى الله عليه و سلم "انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فالعقل يدرك الخير و الشر قبل ورد الآيات لأنه سبب التكليف دون الكائنات الأخرى قال تعالى " أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم " و انزال الكتب السماوية و الرسل كان للتأكيد على ما هو في العقل.
أما النظرية العقلية فيعتقدون أن الأخلاق ثابتة بثبات مصدرها العقلي فالعقل هبة الإلهية بإمكانه تميز الصحيح من الخطأ فأفلاطون "الأخلاق قوة عليا في العقل" أي أن الحكمة لها غاية سامية هي الخير المطلق للوصول الى السعادة .يقول سقراط من قبل أن " العلم فضيلة و الجهل رذيلة" و يضيف أفلاطون " يكفي أن يحكم الانسان جيدا لكي يترف جيدا" و يقصد أن البشر ثلاث أنواع منهم الذهب و هي الطبقة الحكيمة محلها الرأس و هذه الطبقة هي من يجب أن تحكم البلاد لكي يوصل الناس الى السعادة أما النوع الثاني فهو الفضة و هم الجنود وقوتهم تكمن في القلب الطبقة العصبية و وضيفتها هي حماية الوطن و أخيرا الطبقة الشهوانية ومعدنهم النحاس وضيفتهم العمل و بالتالي بالنسبة لأفلاطون الأجدر بالحكم هو الأحكم فهو بعقله يستطيع تمييز الشر من الخير عكس باقي الطبقات.
أما ايمانويل كانط فيعتقد أن العقل يقدم القيم الأخلاقية ولا علاقة للتجربة فالفعل الأخلاقي له عدة شروط أولا أن يكون نابعا من الإرادة الحرة وان يكون غاية في حد ذاته وأخيرا أن يحترم الناس وكرامتهم. فالواجب الأخلاقي يجب أن يكون مطلقا وغير مقيد وافعل الواجب لأنه واجب في ذاته ولا تبحث من ورائه على مصلحة. فقد أراد تأسيس أخلاق عالمية صالحة لكل زمان ومكان و بالتالي فالأخلاق ثابتة المصدر و غير قابلة للتغير.
المناقشة :
 كون الاخلاق واحدة في جوهرها كما اعتقد أنصار الدين والعقل لا يحل المشكلة لأنه لا يفسر تعددها وتنوعها الذي يفرض نفسه في الواقع. و الاخلاق التي يدعو اليه كانط سامية وصورية و مجردة، لأنها منفصلة عن الواقع كما يقصي العواطف و الميول في حين ان الواقع يثبت عكس ذلك.
الموقف الثاني:
يرى علماء الاجتماع أن نسبية القيم في تنوع المجتمعات
النظرية الاجتماعية ترى بان الانسان لا يعيش لذاته بمعزل عن غيره فهو يتأثر ويؤثر في غيره، ويؤكد الاجتماعيون بان الاخلاق ظاهرة اجتماعية تتميز بشروطها الموضوعية فالواجب الاجتماعي الزام وصفه المجتمع و على كل فرد ان يتمثل له، و القيمة الخلقية نسبية و متغيرة من الزمان و المكان.
فيعتقد دور كايم أن الوقائع الاجتماعية هي مظاهر خارجة عن الذات والفرد وتمتاز بخاصيتين:
1)    كونها خارجية
2)    كونها متسامية عن ضمائر الافراد فعلى الفرد أن يتمثل لنظم وعادات وتقاليد المجتمع و هاذا الاتجاه يرجع القيمة الخلقية الى المجتمع فهو الذي يحدد الاخلاق.
يقول دوركايم' ليس هناك سوى قوة اخلاقية واحدة تستطيع ان تضع القوانين للناس هي المجتمع' اذن فالخير يقاس بمدى اندماج الفرد بمجتمعه والشر يقاس بعدم اندماجه معهم. دور كايم" حينما يتكلم الضمير فينا فان المجتمع هو الذي يتكلم" و كذلك "نحن نعرف اننا لسنا سادة تقويمنا فنحن في هذا مقيدون و مجبرون و الذي يقيدنا و يجبرنا هو الضمير الجمعي" وليفي برول يؤكد أنه لا توجد أخلاق واحدة بل تتنوع حسب كل زمان و مكان و جماعة. و الفلاسفة النفعيين يؤيدونهم في نسبية الأخلاق و تعددها و لكنهم يختلفون في أن الأخلاق تكمن في التمكن من السعادة و هذه الأخيرة تكمن في اللذة و في تعدد المنافع  فان الاتجاهات النفعية تؤسس للفعل الخلقي على انه منسجم مع ما هو مشتهى فكل ما هو خير لذة و كل ما هو شر فيه ألم، فالفعل الاخلاقي كما يراه الكلاسيكيون هو ذلك الفعل الذي ينتهي بالضرورة الى نتائج سارة، فكل انسان يسعى الى تحقيق اللذة، لكن اللذة  المعدلة من منظور ابيقور هي التي تمثل طبيعة القيم الاخلاقية و لا يجب على الانسان أن يفرط في الملذات لان الانسان اذا لم يحقق اللذة تألم و اذا تألم كان شقيا,
جيرمي بينتام وضع مقياسا لحساب اللذات كما ان جون ستيوارت ميل اعتبر ان القيمة الخلقية تؤسس على مبدأ النفعية الذي يحقق المصلحة الجماعية. وبالتالي فالأخلاق يجب أن تتغير و تتنوع بحسب الزمان و المكان و الجماعة و المنافع.
 مناقشة:
هذا المبدأ يؤدي الى فقدان الانسان لشرفه و قد يمس قيم المجتمع و الدين و هاذا هو تصور اناني للغاية الاخلاقية فالمنفعة يجب ان تحقق المصلحة الجماعية فالفلسفة البراغماتية بزعامة جون ديوي يرى أن المشكلة الاخلاقية تكمن في التعارض بين الغايات، و الانسان السوي هو الذي يتخذ موقفا اخلاقيا يقضي على هاذا التعارض.
التركيب:
الأخلاق ثابتة في مبادئها و متغيرة في معاملتها, أي أن الدين نأتمر بما أمر و نسعى لفهمه بالعقل و تميز الصواب عن الخطأ كلما كانت مستجدات العصر و في نفس الوقت يجب أن لا يكون التقوقع على الذات و الطبع الاجتماعي يتطلب فهم والتأقلم و اللين مع متطلبات الزمان و المكان والجماعة فإقامة النظام الأخلاقي على تأليف من هذه المفاهيم فالنظام الإسلامي مبني على فكرة "جلب المصلحة للإنسان  و درء المفاسد " بشرط أن توافق الطبيعة الإنسانية و تتفق بشأنها العقول و لا يستهجنها الضمير الجماعي فنظرة فاحصة للفئة الاسلامية نجد فكرة المقاصد الكبرى للشريعة و هي حفظ النسل و العقل و المال.
حل المشكلة
ان المبادئ الأخلاقية تتميز بالثبات و تطبيقها يتميز بالنسبية فاللصدق مثلا قيمة حسنة كفكرة مجردة مطلقة أما من ناحية الممارسة فان لها استثناءات كإصلاح ذات البين اذن العقيدة الدينية تمدنا بالثوابت ثم يعالجها العقل و يربطها بمنطق الوقائع و التجارب لتحقيق الصالح العام و الخاص مع مراعاة الطبيعة البشرية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الفرضية خطوة مهمة في المنهج التجريبي؟

هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية؟ملخص عاى شكل عناصر للحفظ و التوسع الذاتي بعد الفهم من القناة

هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث لا طائل منه ؟