هل أصل الحقيقة أم المعرفة العقل أم الحواس؟ تسير+ تقني+ ثانية آداب

هل أصل الحقيقة أم المعرفة العقل أم الحواس؟
طرح المشكلة:
عندما يتأمل الإنسان الوجود من حوله، ثم يعود إلى ذاته لا يجد إلا طريقين يحصل بهما على المعرفة، فإنه بحواسه وحدها يبصر صعود الدخان مثلا، وبعقله يدرك وجود نار ينبعث منها هذا الدخان،  و ان المذاهب الفلسفية تعكس الاختلاف كسمة للفكر الفلسفي الذي يسعى للوصول الى الحقيقة ، فكيف تكون الغاية واحدة و السبل اليها متباينة؟ و هل يمكن ان تشترك المذاهب الفلسفية في البنية المنطقية التي تؤسسها رغم اختلاف المضامين؟ و بما ان المعرفة خاصية انسانية هل هي من طبيعة العقل فقط؟ و هل يمكن للعقل بناء المعرفة دون ان يستند الى التجربة؟
 و هل تستطيع التجربة أن تنشئ في العقل المعاني و التصورات الكلية؟
محاولة حل المشكلة:
الموقف الأول :
يرى أنصار الأطروحة أن الحقيقة تدرك بالعقل و هم رواد المذهب العقلي وهم نزعة فكرية تقدس العقل، وتجعل منه المصدر الأول للمعرفة، وأن جميع المعارف تنشأ عن المبادئ العقلية القبلية والبديهيات الموجودة فيه، أما التجربة فهي أدنى منه مرتبة وأهمية، لأن الإنسان هو الكائن الوحيد المزود بخاصية العقل. ولقد كانت الفلسفة الحديثة، وبالأخص القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عصر الجدل بين العقلانيين والتجريبيين و من مسلماتهم و حججهم نذكر
ان العقل خاصية إنسانية فطرية مشتركة بين الناس، ومعارفه ثابت مهما تغير المكان والزمان و البشر. و في العقل حقائق فطرية مثل: وجود مبدأ لهذا العالم لا مبدأ قبله.
 حقائقه كلية صادقة بالضرورة، وسابقة للتجربة، لاشك فيها مثل الكل أكبر

من الجزء. و قواعد العقل يعرف بها الصح من الخطأ، الخير من الشر، ويستفيد منها الفيلسوف والمربي والفقيه.
و تتمثل مبادئهم في أن العقل ملكة ذهنية يدرك الإنسان بها، ويصدر الأحكام، ولعل الرياضيات أكبر شاهد على دقته وعظمته. كما أن أفلاطون، وأرسطو، وديكارت قدموا نتائج برهنة على صدق استدلالاته. تبجيل العقل من طرف الوحي واعتباره أساسا للتكليف.
و عالمية العقل واتفاق الناس على أولياته، يقول ديكارت "إن العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس"، مثل: مبدأ الهوية، عدم التناقض، السببية، القيمتان المتساويتان تبقيان كذالك إذا أضفنا لهما نفس القدر، وهي أمور تولد معنا فطريا، ولا تأخذ من التجربة وندركها عن طريق الحدس. فقد  قال في هذا سبينوزا" ان العقل يجد شكله الاسمى و الاصح في الحدس"
و كذلك أوليات العقل واضحة وبسيطة ويقينية، يجب بناء العلم عليها وجعلها أساس المعرفة الصحيحة، ومن حقائقه التي لا يمكن أن نشك فيها، لهذا اعتقد أفلاطون وديكارت بوجود أفكار

قبلية بالفطرة كالمبادئ الرياضية، القواعد المنطقية، ووجود الله، وسار على هذا الطريق الديكارتيون من أمثال: سبينوزا، ومالبرانش، ولايبنتز، وغيرهم من أتباع القرن 17م، وأيقنوا من أن الحقائق الأولية، تنشأ وتدرك بالعقل عن طريق الحدس، مع بعض الاختلاف بينهم.
وفي الأخلاق يبقى العقل معيار معرفة الخير من الشر، فالسرقة والكذب في كل الحضارات والعصور شرور، وأشار المعتزلة إلى أسبقية العقل في هذه الأمور وجاء الدين ليتمم مكارم الأخلاق.
الموقف الثاني:
يرى أنصار الأطروحة الثانية أن أساس ادراك الحقائق هو استخدام أداة الحواس و هم رواد المذهب التجريبي و هو نزعة فكرية ظهرت  مع فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر، أمثال: فرنسيس بيكون، جون لوك، دافيد هيوم، واستمرت في القرنيين 19م و20م. يؤكد هذا المذهب على ان المعرفة مجرد نتائج للتجارب و نقل لانطباعات الحواس و لا توجد أي معرفة خارجة عن نطاقهما. ومن مسلماتهم نجد أنهم يستندون إلى مسلمة واحدة هي: المصدر الجوهري الأسبق لكل أنواع المعرفة، هو التجربة، وبذلك فإن: العقل لا يستطيع أدراك المعاني بشكل فطري، والعلم يرتد إلى التجربة.
ورفض التجريبيون وجود أفكار فطرية عقلية وأنكروا الحدس.

يولد الإنسان صفحة بيضاء يكتب فيها الحس جميع أفكارنا من الألوان إلى الأذواق، يقول جون لوك:« إن الأبيض ليس الأسود، واللذة ليست الألم»،  وما العقل إلا كالمسجل "الفوتوغراف" يدون كل ما يتلقاه من الطبيعة، كما أن أحكام العقل تتغير وتختلف بتبدل المكان والزمان.
 لو صح وجود هذه المبادئ الكلية، والمعاني الفطرية أو الموروثة، لتساوى في العلم بها الناس في كل زمان ومكان، لكن مبدأ الهوية أو التناقض، تختلف بين الأمم كما أن القواعد الأخلاقية تتناقض بين كل شعب وآخر.
ويرى دافيد هيوم أن مبدأ السببية الذي يتبجح العقليين بأنه أعظم دليل على فكرة القبلية، يقدم الدليل هيوم على أنها ليست سوى فكرة يأخذها العقل من التجربة، عن طريق التكرار المقترن في الطبيعة بين العلة والمعلوم، أي باعتياد روية الشيء ومسببه، يقول هيوم: « لا شيء من الأفكار يمكن أن يكون في العقل ما لم يكن قد سبقته ومهدت له الطريق انطباعات مقابلة له»
يميز هيوم كما ذهب إليه لوك من قبله، بين الأفكار البسيطة والأفكار المركبة، فالمركبة هي الأفكار التي ينتجها الفكر البشري نفسه عن طريق ترابط الأفكار البسيطة. ويقصد بالأفكار البسيطة ليست كما قال العقليين أنها عقلية، بل إنها المعطيات الأولية للحس، أما الأفكار المركبة

فإذا حللناها ألفيناها مكونة من عدد من الأفكار الحسية البسيطة التي تنشأ من التجربة مباشرة، فليس ثمة أفكار مفطور عليها العقل منذ ولادته على الإطلاق. وبلغ إنكار هيوم للمثاليات والميتافيزيقا درجة أنه قال بضرورة إحراق كل كتاب، لا يقوم على الرياضة أو التجربة.


 التركيب :
الحقيقة لا يمكن ادراكها بالعقل لوحده و لا بالحواس لوحدها بل بهما معا فلا معارف دون عقل و حواس فالحواس تقدم المعارف الأولية من العالم الخارجي و العقل يفسرها و يحولها الى فكرة مجردة و تحفظها الذاكرة فايمانويل كانط يعتقد أن المعارف الحسية بدون العقلية فارغة و العقلية دون المفاهيم الحسية عمياء

حل المشكلة

 يقال أن  الفلاسفة العقليين "كالعنكبوت تنسج خيوطها من نفسها، والتجريبيين كالنحلة تجني من محيطها ثم تستهلكها، لهذا جمعت الفلسفة النقدية الكانطية بين العقل والحس، فلا يجوز رفض مذهب لصالح آخر فكلاهما صادق في سياقه.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الفرضية خطوة مهمة في المنهج التجريبي؟

هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث لا طائل منه ؟

هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية؟ملخص عاى شكل عناصر للحفظ و التوسع الذاتي بعد الفهم من القناة